ترجمة الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود رحمه الله
ولادته
ولد رحمه الله بالدرعية سنة ۱۱۳۲ هـ ، في بيت إمارة وشرف من أب أشتهر بالعدل والحزم بين أمراء نجد وغيرها .ووالدته رحمها الله اشتهرت بالرجاحة والرأي وهي التي أشارت علي زوجها محمد بن سعود بمناصرة إمام الدعوة رحمه الله تعالي .
طلبة للعلم
بدأت الدعوة الإصلاحية تشتهر وعبد العزيز بن محمد لم يبلغ العاشرة من عمره وحينما بلغ سن الشباب أخذ يرتحل هو وأعمامه الثلاثة مشاري وثنيان وفرحان إلي شيخ الإسلام أبن عبد الوهاب في العيينة ويطلبون العلم علي يديه ، وكان ذلك بداية مظاهر الخير والصلاح عليه ومما كان له أبلغ الأثر أيضاً في انتقال شيخ الإسلام بعد ذلك إلي الدرعية .. وعلي أي حال فقد ظل ملازماً للشيخ في العيينة والدرعية يتشرب منه التوحيد والفقه والتفسير والعربية وغيرها ، حتى أضحي من أبرز تلامذته ومن أنجبهم .
ولايته الأمر بعد والده
في سنة ۱۱۷۹ هـ ، انتقل والده محمد بن سعود إلي جوار ربه ، رحمه الله تعالي ، فقدمه شيخ الإسلام لمبايعة الناس لما يعلم من كفاءته ، علي أن عبد العزيز بن محمد لم يخرج عن مشورة شيخه في أمور الدولة العسكرية وغيرها .
وقد تولي الأمر وهو في الخامسة والأربعين من عمره وأتسع نطاق الدولة في عهده اتساعاً كبيراً .
صفاته
كان رحمه الله كثير الخوف من الله وكثير الذكر . آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر لا تأخذه في الله لومه لائم ، ينفذ الحق ولو كان في أهل بيته وعشيرته لا يتعاظم عظيماً إذا ظلم ، فيقمعه ولا يتصاغر حقيراً ظلم ، فيأخذ له الحق ولو كان بعيد الوطن .
وكان رحمه الله لا يخرج من المسجد بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس ويصلي فيه صلاة الضحى .
كما كانت له حلقات للتعليم بعد الفجر في جامع الطريف المشهور وبعد الظهر وبعد المغرب فيكون بين معلم أو متعلم .
وذلك إلي جانب تصريف أمور الدولة وتفقد أحوال الرعية .
ومن عادته القيلولة قبل صلاة الظهر علي سمة الأوائل في ذلك .
وله ورد من الدليل لا يتركه .. صاحب دمعه وإنابه كثير الدعاء في جوف الليل خاصة للمسلمين والضعفاء من رعيته له هيبة ووقار من آثار التهجد .
وإلي جانب ذلك فقد كان أبرز قائد عسكري في الجزيرة العربية في أيامه شجاعة وإقداماً وجلداً علي مقارعة الخطوب وتحمل الأزمات وركوب الصعاب ، يجيد فن حرب العصابات وعن طريقها استطاعت غاراته أن تهدم القباب فوق القبور والمشاهد في النجف وكربلاء دون خسائر بشرية تذكر ، كما أنه يملك إدارة الجيوش النظامية الجرارة رحمه الله وأسكنه فسيح جناته .
ويذكر من تواضعه رحمه الله أن الصبيان من أهل الدرعية إذا خرجوا من عند المعلم يصعدون إليه في مقره ويعرضون عليه ألواحهم ومحفوظاتهم فمن أبدي منهم نشاطاً أعطاه عطاء جزيلا .
ومن صور زهده وعفافه عن مال المسلمين أنه كانت تأتيه الأموال من الغنائم والزكوات من أطراف الجزيرة البعيدة فلا تحرك في نفسه شهوه لحيازتها والتمتع بها بل كما ذكر أنه جاءه في يوم خمس وعشرون حملاً من الريالات فمر بها وهي مطروحة فحركها بطرف سيفه وقال : اللهم سلطني عليها ولا تسلطها علي ثم فرقها من يومه ذاك .
رحمته بالرعية
كان رحمه الله كثير الآفة بالرعية وكان يبث الصدقة والأموال فيهم وخاصة الضعفاء والمساكين منهم ، يكثر الدعاء لهم وكان يقول في ورده " اللهم ابق فيهم كلمة لا إله إلا الله حتى يستقيموا عليها ولا يحيدوا عنها " .
وكان يأتيه المحتاج من كل فج فيعطيه ويجزل ورتب ديواناً للعطاء لطلبة العلم والأئمة والمؤذنين .
وكان المساكين يكتبون إليه بحوائجهم وربما كتب الواحد عنه وعن زوجته وأمه وابنه وأخيه فيوقع لكل كتاب منهم عطاءه .
وكان إذا مات الرجل في جميع النواحي يأتي أولاده إليه يستخلفونه فيعطيهم وربما كتب لهم راتباً في الديوان . كما كان يتفقد الأيتام والضعفاء بالدرعية ويسأل عنهم ويقضي حوائجهم ، ومن كان ضعيفاً من النواحي يأمره بأن يأتي إلي الدرعية ويقوم بجميع لوازمه وحاجياته .
قوته وحزمه
أما عن قوته وحزمه وشدته علي المجرمين وحصول المن بفضل الله تعالي ثم بذلك فقد حدث منه ما عجزت الأقلام عن تسطيره . وإليك نبذه من ذلك :
قال ابن بشر في تاريخه عنوان المجد : وكانت القطار والرعية في زمانه آمنه مطمئنة ، فهو حقيق بأن يلقب مهدي زمانه لأن الشخص الواحد يسافر بالأموال العظيمة صيفاً أو شتاءً إلي أي مكان شاء لا يخشى أحد إلا الله لا سارقاً ولا قاطع طريق ، وكان أهل النواحي في أيام الربيع يسيبون جميع مواشيهم في البراري والمراعي من الإبل والخيل والبقر والغنام ليس لها راع حتى ينقضي الربيع إلا ما كان من الخيل الجياد فإن لها من يتعهدها ، وذلك كله بفضل الله ثم ببركات الله في رعيته ويعف ويقيم حدود الله .
موته رحمه الله تعالي
قتل رحمه الله في سنة ۱۲۱۸ هـ في العشر الأواخر من شهر رجب علي يد رافضي من أهالي النجف في صلاة العصر وهو ساجد .. وذلك نقمة علي ما صنعته جيوش هذه الدولة السلفية من القضاء علي الأوثان عند قبورهم .
ويري البعض أنه بإغراء من والي بغداد آنذاك رهبة من توسعات هذه الدولة السريعة .. ومثل هذا الفعل هو الذي يستطيعه الجبناء .. ولم يكن عبد العزيز رحمه الله ليحجب نفسه ، وكان يرحب بالضيوف والمجاورين ، ولذلك قدم هذا المجرم وزعم أنه من أتباع هذه الدعوة السلفية ويريد الإقامة بالدرعية تنسكا وليطلب العلم فيها فأكرمه عبد العزيز وأمر له بعطاء ، فأظهر النسك والعبادة والصلاح حتى استكمل الكتاب أجله وأراد الله إكرام عبد العزيز بالشهادة في صلاة العصر في التاريخ المذكور فوثب من الصف الثالث والناس سجود فطعنه بخنجر مسموم في خاصرته أسفل بطنه ، فاضطرب أهل المسجد وماج بعضهم ببعض لا يدرون الأمر ، فأهوي المجرم علي عبد الله بن محمد شقيق عبد العزيز إلا أنهما تجالدا فتمكن عبد الله من ضربة بالسيف فصرعه وتكاثر عليه الناس فقتلوه ثم صعدوا بالإمام إلي قصره وقد غاب ذهنه وقرب نزعه رحمه الله فما لبث أن توفي رحمه الله وعفا عنه وتقبله في الشهداء ، وكان ذلك عن عمر يناهز ست وثمانين سنة .