جاء في (وفيات الأعيان، لابن خلكان) ما يلي:
أبو بكر محمد بن السري بن سهل النحوي المعروف بابن السراج؛ كان أحد الأئمة المشاهير، المجمع على فضله ونبله وجلالة قدره في النحو والآداب، أخذ الأدب عن أبي العباس المبرد - المقدم ذكره - وغيره، وأخذ عنه جماعة من الأعيان منهم: أبو سعيد السيرافي وعلي بن عيسى الرماني وغيرهما، ونقل عنه الجوهري في كتاب الصحاح في مواضع عديدة. وله التصانيف المشهورة في النحو: منها كتاب الأصول وهو من أجود الكتب المصنفة في هذا الشأن، وإليه المرجع عند اضطراب النقل واختلافه، وكتاب جمل الأصول وكتاب الموجز صغير، وكتاب الاشتقاق وكتاب شرح كتاب سيبويه وكتاب احتجاج القراء وكتاب الشعر والشعراء وكتاب الرياح والهواء والنار وكتاب الجمل وكتاب «المواصلات».
وكان يلثغ في الراء فيجعلها غينا، فأملى يوما كلاما فيه لفظة بالراء، فكتبوها عنه بالغين، فقال: لا، بالغاء، لا بالغاء يريد بالراء، وجعل يكررها على هذه الصورة ورأيت في بعض المجاميع أبياتا منسوبة إليه ولا أتحقق صحتها، وهي سائرة بين الناس في جارية كان يهواها، وهي:
ميزت بين جمالها وفعالها ... فإذا الملاحة بالخيانة لا تفي
حلفت لنا أن لا تخون عهودنا ... فكأنما حلفت لنا أن لا تفي
والله لا كلمتها ولو أنها ... كالبدر أو كالشمس أو كالمكتفي
وبعد الفراغ من هذه الترجمة وجدت هذه الأبيات له، ولها قصة عجيبة، وهي أن أبا بكر المذكور كان يهوى جارية فجفته، فاتفق وصول الإمام المكتفي في تلك الأيام من الرقة، فاجتمع الناس لرؤيته، فلما رآه أبو بكر استحسنه، وأنشد لأصحابه الأبيات المذكورة، ثم إن أبا عبد الله محمد بن إسماعيل بن زنجي الكاتب أنشدها لأبي العباس ابن الفرات، وقال: هي لابن المعتز، وأنشدها أبو العباس للقاسم بن عبيد الله الوزير، فاجتمع الوزير بالمكتفي وأنشده إياها فقال لمن هي، فقال لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر، فأمر له بألف دينار، فوصلت إليه فقال ابن زنجي: ما أعجب هذه القصة! يعمل أبو بكر ابن السراج أبياتا تكون سببا لوصول الرزق إلى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر.
توفي أبو بكر المذكور يوم الأحد لثلاث ليال بقين من ذي الحجة سنة ست عشرة وثلثمائة، رحمه الله تعالى.
والسراج: بفتح السين المهملة والراء المشددة وبعد الألف جيم، هذه النسبة إلى عمل السروج.