مولده ونشأته ووفاته :
تمهيد :
إن المصادر التي ترجمت لابن عادل لا تفيدنا شيئا عن مولد ابن عادل أو وفاته أو ما يخص حياته ، بل إن أقصى ما في الأمر أن صاحب السحب الوابلة ذكر بأنه من أعيان القرن الثامن أو التاسع دون جزم منه لأحدهما ـ كما سيأتي نصه ـ وجعله صاحب طبقات المفسرين في فصل الأئمة والمشايخ المفسرين الذين لا يوجد تاريخ لوفاتهم ولا لمولدهم في الطبقات والتواريخ ،ولكن من الممكن معرفة تاريخ تقريبي لمولده ووفاته من خلال استقراء شيوخه وتلامذته ،ومعرفة تراجمهم .
مولده ونشأته :
من خلال دراسة تراجم شيوخ ابن عادل ؛يتبين أنه ولد في أواخر القرن السابع ،وعلى وجه أقرب بعد سنة ٦۷٥ هـ على الأقل ، وبيان هذا في استعراض مولد ووفاة شيوخه:
ـ شيخه محمد بن علي بن ساعد ولد سنة ٦۳۷ وتوفي سنة ۷۱٤ هـ في القاهرة
ـشيخته وزيرة بنت عمر بن المُنجَّا ولدت سنة ٦۲٤ وتوفيت سنة ۷۱٦ في دمشق
ـ شيخه أحمد بن أبي طالب المعروف بابن الشحنة النجار توفي سنة ۷۳٠ هـ ، ولكن أظهر سماعه ورواياته في دمشق سنة ۷٠٦ هـ .
فمن خلال عرض وفيات شيوخ ابن عادل يتبين أنه كان أهلاً لسماع الحديث في بداية القرن الثامن وعليه فتكون ولادته في آخر القرن السابع ، وبما أن المسندة وزيرة توفيت في دمشق سنة ۷۱٦ ، والحافظ ابن الشحنة توفي في دمشق سنة ۷۳٠ ، فإن ذلك يدل على أن ابن عادل كانت نشأته ونشاطه العلمي في دمشق .
وأما ابن ساعد ؛فأرى أن ابن عادل سمع منه في دمشق ،لأن ولادة ابن ساعد كانت في حلب ـ كما سيأتي ـ ووفاته في القاهرة ، فيكون ابن عادل سمع معجم الطبراني الكبير من ابن ساعد أثناء طريق رحلته إلى القاهرة ومروره بدمشق ، وهذا يعني أيضاً أن ابن ساعد مكث في دمشق مدة ، ممايدل على بعد خروج ابن عادل من دمشق والله أعلم.
وفـاته:
كذلـك نسلـك في معرفة وفاة ابن عادل مسلكنا في معرفة ولادته، ولكن لا بد من الإشارة إلى ما قيل في وفاة ابن عـادل ممن ترجم له ،إذ أن بعض المصادر تذكر أنه كان حياً سنة ۸۸٠ هـ ،اعتماداً على أنه وجد مكتوب في آخر تفسير سورة طه أنه فرغ من تفسيرها في رمضان سنة ۸۸٠ هـ كما في الأعلام ،بل جعل صاحب نيل السائرين وفاته في سنة ۸۸٠ ،ولكن الجزء الذي في الأحمدية الذي أوله سورة التغابن إلى آخر القرآن يقول إنه فرغ من كتابته سنة ۸۷٦ هـ ، وفي هدية العارفين ومعجم المؤلفين أنه فرغ من تفسيره كاملاً في رمضان ۸۷۹ هـ .
وفي ما مر من الاضطراب ما يغني عن رد القول بأنه توفي سنة ۸۸٠ أو بعد،بل أقول : إن ذلـك دليل على أن ما وجد في أواخر النسخ؛ إنما هو تاريخ نسخ الكتاب من النساخ وفراغهم منه ، و أمـا صاحب السحب الوابلة فقد تردد في تحديد عصر ابن عادل؛أهـو من القرن الثـامن أم التاسع ،ثم قال وهو من رجال أحدهما بلا شك ) ،ولم يذكر له تاريخ وفاة.
ونعود الآن إلى المنهج الذي سلكناه قبلُ في معرفة ولادة ابن عادل ؛لنتعرف على تاريخ وفاته من خلال معرفة تلامذته،يذكر من تلامذة ابن عادل:
ـ علي بن أبي بكر الهيثمي ،ولد سنة ۷۳٥ ، وتوفي سنة ۸٠۷ ،سمع من ابن عادل أجزاء مـن معجم الطبراني الكبير ، ولا أشك في أنه سمع من ابن عادل أثناء رحلة الهيثمي إلى دمشق ،ومما يؤكد ذلك أن الهيثمي صحب شيخه العراقي بالغاً، ولم يفارقه سفراً ولا حضراً ،وهناك ما يفيد أن العراقي والهيثمي كانا في دمشق بعد سنة ۷٥٠ ، ففي ترجمة عز الدين ،أبي الفضل ،محـمد بن إسماعيل بن عمر ابن الحموي الدمشقي الثقة الصالح المتوفى سنة ۷٥۷ هـ ، ذكـر الفاسي في ذيل التقييد أن العراقي زينَ الدين سمع من ابن الحموي في جامع دمشق كتاب السنن الكبير للبيهقي من أوله إلى آخركتاب الإيلاء ،وأن الحافظين زين الدين العراقي ونور الدين الهيثمي أكثرا عنه ،وبما أن الهيثمي صحب العراقي بالغا ؛ فلا ضير أنه كان بالغاً بعد سنة ۷٥٠ لأن ولادته سنة۷۳٥ ؛وأنه كان مـع شيخه العراقي في رحلته هذه ؛وأنه سمع من ابن الحموي وأكثر عنه في هذه الرحلة؛وأنه في أثناء هذه الرحلة ـ والله أعلم ـ التقى بابن عادل وسمع منه معجم الطبراني الكبير،وكان ذلك مابين سنة ۷٥٠ وسنة ۷٥۷ ، وأظن أنه لو كان هناك معجم لشيوخ العراقي لوجد ابن عادل من بينهم لأن شيوخ الهيثمي الذين سمع منهم هم أيضاً شيوخ العراقي .
ويضاف إلى ما مر أن ابن عادل نقل في تفسيره اللباب كتاب الدر المصون كاملاً ،وقد فرغ السمين الحلبي ( ت ۷٥٦ هـ ) من تأليفه في أواسط رجب سنة ( ۷۳٤ هـ ) ،فلا بد أن يأخذ وصول الكتاب إلى ابن عادل وقراءته وقتاً ،وكذلك جمع المعلومات ونسخها وتبييضها يأخذ وقتاً طويلاً أكثر من عشرين عاماً ،وعليه فإنه يمكن القول أن ابن عادل كان حياً إلى سنة ۷٥٠ هـ يقيناً ،وأما وفاته فيغلب على الظن أنه توفي قبل سنة ۷۷٥ هـ،فهو من أعيان القرن الثامن الهجري يقيناً، وأما ما ذكر أن التقي الفاسي من تلامذته ؛ فإني ممن يستبعد ذلك ،وسيأتي توضيح ذلك عنـد الكلام على تلامذته .
وعليه فتكون حياة ابن عادل محصورة بين عامي ٦۷٥ هـ و۷۷٥ هـ والله أعلم.
اسمه ونسبه ولقبه وكنيته (۱):
هو أبو حفص سراج الدين عمر بن علي بن عادل الحنبلي الدمشقي النعماني.
وقد تفرد صاحب السحب الوابلة وكناه بأبي الحسن ،ولم يذكر غيرها؛ وهي خلاف ما تعارف عليه الناس في من اسمه عمر ؛ خاصة في عصر المماليك ؛ فعلى فرض صحة هذه الكنية يمكننا القول : ربما كانت له كنيتان : الأولى هي أبو حفص ،والثانية:أبو الحسن ، ولكن ابـن عـادل يشتهر بالأولى أكثر.
والمشهور في لقبه :سراج الدين ،غيرأنه ورد بلقب زين الدين في معجـم الدراسات القرآنـيـة وعند محقق نفحة الريحانة ،ونسب ذلك إلى معجم المؤلفين، ولكن الذي في معجم المؤلفين أنه سراج الدين، ولقبه بزين الدين خلاف المشهور ،والله أعلم.
وأما نسبه النعماني ، فهي نسبة إلى ( نعمان ) ،وتضبط : إما بضم النون وسكون العين ، أو بفتح النون وسكون العين، فعلى الاحتمال الأول ـ وهو بضم النون وسكون العين ـ فإنها اسم مشترك لثلاث مدن وهي (۲):
ـ النُّعمانية: وهي بلدة عل شط دجلة بين بغداد وواسط في نصف الطريق، وأهلها شيعة غالية.
ـ النُّعمانية: وهي قرية بمصر.
ـ نُعمان ،وهي معرّة النعمان،وهي مدينة كبيرة من بلاد الشام بين حلب وحمـاة،ولكن المشـهور والمعروف في النسبة إليها بـ ( المعري ) ،ولم أجد من نسب إليهـا بالنعمـاني.
أقول: وقد تكون نسبة النُّعماني ـ بضم النون ـ إلى النعمان بن بشير الصحابي الجليل ـ وستأتي ترجمته ـ ،فتكون من قبيل بيان نسبه الذي يرجع إليه، كما تقول :عمري وبكري، لا إلى بلدٍ ولد فيه، أو رحل إليه والله أعلم
أو بفتح النون وسكون العين ،فنسبة أيضاً إلى عدة مدن ومواضع في الحجاز وبلاد الشام (۳):
ـ نَعمان ، بلد في بلاد الحجاز .
ـ نعمان :واد يسمى نعمان الأراك ، وهو بين مكة والطائف.
ـ واد لهذيل على ليلتين من عرفات .
ـ واد يسكنه بنو عمرو بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل ،بين أدناه ومكة نصف ليلة .
ـ واد قرب الكوفة من ناحية البادية .
ـ واد قريب من الفرات على أرض الشام قريب من الرحبة.
وكذلك إلى عدة مواضع كثيرة في اليمن (٤)، ولا أرى داعياً لذكرها لاستبعاد كونه منها .
فذهب محققو اللباب المطبوع إلى أنه منسوب إلى النعمانية ـ بضم النون ـ وهي البلدة بين بغداد وواسط وأنه دخل إليها واستوطن فيها فنسب إليها (٥).
و استبعد هذا الكلام؛ لكون هذه البلدة قد عرف أهلها بأنهم شيعة غالية ؛ولايظهر التشيع هذا فـي ابـن عادل من خلال تفسيره ، ثم إن ابن عادل مذهبه حنبلي ،ويقرر المسائل العقدية والأصوليـة على مذهب أهل السنة والجماعة، والله أعلم.
وذهب الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشايع إلى أنها نسبة إلى نعمان ـ دون أن يضبطها ـ البلدة الشامية وجعل نسبة الدمشقي قرينة على ذلك، وظاهر كلامه أن البلدة هي معرة النعمان؛إذ لم يشر إلى موضع البلدة الشامية التي ابن عادل منها ،ولايشتهر في بلاد الشام بلدة بهذا الاسم سواها.
والذي أراه ـ إن كانت نسبة النعماني لبلدة ـ أن يكون ضبطها بفتح النون وسكون العين ،نسبة إلى واد قريب من الفرات على أرض الشام قريب من الرحبة (٦)،وأن ابن عادل ينسب إليها أصالة،وأستبعد أن يكون من مصر لأن شيوخه من بلاد الشام كما سيأتي، هذا مع العلم أن عصره كان فيه فحول العلماء والمحدثين في مصر ؛فلو كان من مصر لقدمت نسبة النعماني على الدمشقي كما هي عادة المؤرخين في تقديم النسب الأصلي ثم نسب البلد التي نزل بها ، ولو رحل إلى مصر لذُكر لنا شيخ من شيوخه على الأقل ، فيتعين أن يكون من بـلاد الشـام ؛ولا ينسب بالنعماني في بلاد الشام إلا لموضعين :معرة النعمان ،ونعمان الواد القريب من الفرات، ثم إن النسبة إلى معرة النعمان هي المعري ،ولم نر من نسب إليها بالنعمانـي ، وعلى فـرض ترجيح كون نعمـان الشامية ؛فهـو مـن الـوادي المذكـور ،ثم إن نسـبة ( الدمشقي ) قرينة قويـة فـي ذلك ، ترجح ما قلته والله أعلم.
هذا كله إذا قلنا بأنه منسوب إلى بلدة ، استنادا لما نقل أنه ورد في آخر الجزء الأول من تفسيره الموجود في المكتبة الأحمدية بحلب: ( جمعـه وعلقه لنفسه عمر بن علي بن عادل النعماني منشأً ، الحنبلي مذهباً) (۷).
ولكن الذي في النسخة الأحمدية في الصفحة الأخيرة من الجزء الأول [ الورقة۲۹۷/آ] أنه : ( النعماني نسباً ،الحنبلي مذهباً )،وكذلك أيضا جاء في غلاف الجزء الثالث من نسخة تشستربتي [الورقة ۱/ب] أنه :( النعماني نسباً ، الحنبلي مذهباً ) .
وعليه فتكون هذه النسبة إلى النعمان بن بشير ،فيكون ضبطها بضم النون وسكون العين.
أقول : والذي أميل إليه أنه النعماني نسباً ، فيكون ابن عادل منسوباً إلى الصحابي الجليل النعمان بن بشير رضي الله عنه ،وهذا مايرجح أن ولادته كانت بدمشق ،وأصله خزرجي من بلاد الحجاز والله أعلم .
________________
۱ ـ انظر : ذيل التقييد للفاسي ۲/۲٤۸ ،السحب الوابلة لابن حميد ۲/۷۹۳ ،نيل السائرين في طبقات المفسرين صـ۲٤۳ ،مجلة المجمع العلمي العربي المجلد ۲٠/۸۳۱ ، مقال بعنوان :ترجمة مفقودة ،للأستاذ راغب الطباخ ،معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة ۲/٥٦۸ ، تاريخ الأدب العربي لبروكلمان ٦/٤٦٦ ،كشف الظنون ۲/۱٥٤۳ ،هدية العارفين ۱/۷۹٤ ،الأعلام للزركلي ٥/٥۸ ، نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة للمحبي ت: الحلو ٦/۳٤۷ ،مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية صـ۱٥ العدد ۱۷ رجب ۱٤۱۷ بعنوان :ابن عادل وتفسيره اللباب في علوم القرآن ،للدكتور محمد عبد الرحمن الشايع ،ومنه عن معجم الدراسات القرآنية لابتسام الصفار ص۳۳۲ ،طبقات المفسرين لأحمد بن محمد الأدنه وي ص ٤۱۸
۲ ـ معجم البلدان لياقوت الحموي ٥/۳۳۹ ،ت عبد العزيز الجندي ، ط دار الكتب العلمية ، الأنساب للسمعاني ٥/٥٠۹ ،ت عبد الله عمر البارودي ،ط دار جنان ، لب اللباب في تحرير الأنساب للسيوطي ۲/۲۹۹ ، ت محمد أحمد وأشرف عبد العزيز ، ط دار الكتب العلمية
۳ ـ انظر معجم البلدان ٥/۳۳۹ ، معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع ،عبد الله البكري ٤/۱۳۱٦ ت مصطفى السقا طـ عالم الكتب بيروت (د ، ت )
٤ ـ انظرها في معجم البلدان ٥/۳۳۹ ، معجم المدن والقبائل اليمنية ،إبراهيم أحمد القحفي ص ٤۳٥،٤۳٦، ط منشورات دار الحكمة ، صنعاء ۱۹۸٥ ،وانظر فتح رب الأرباب ۲/۳۸۸ .
٥ ـ اللباب ۱/۲۱ المقدمة ط دار الكتب العلمية ، ولم يذكروا دليلاً لما ذهبوا إليه .
٦ـ وهي رحبة مالك بن طوق ،بينها وبين دمشق ثمانية أيام ،ومن حلب خمسة أيام ،وإلى بغداد مئة فرسخ ، وإلى الرقة نيف وعشرون فرسخاً، وهي بين الرقة وبغداد على شاطئ الفرات أسفل من قرقيسيا ، قال البلاذري :لم يكن لها أثر قديم وإنما أحدثها مالك بن طوق التغلبي في خلافة المـأمون . انظر معجم البلدان ۳/۳٤ ط دار الفكر ونهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ،أحمد بن علي القلقشندي ص ۱۷۷ ط دار الكتب العامية أولى ۱٤٠٥، ۱۹۸٤ .
۷ ـ كما نقل ذلك الأستاذ راغب الطباخ رحمه الله في مقاله في مجمع العلمي العربي ۲٠/۳۸۱ ،وتبعه عليه الدكتور محمد الشايع في مجلة الإمام محمد بن سعود ص ۱٦.
وكتبه مرهف سقا
ماجستير في التفسير وعلوم القرآن
نقلا عن ملتقى أهل التفسير
http://www.tafsir.net/vb