محتوى الكتاب

إغلاق

و من هذا الباب : أن الرجل الذي قال له لما قسم غنائم حنين : إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله فقال عمر : دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق فقال [ معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي ] ثم أخبر أنه يخرج من ضئضئه أقوام يقرؤن القرآن لا يجاوز حناجرهم و ذكر حديث الخوارج رواه مسلم فإن النبي صلى الله عليه و سلم لم يمنع عمر من قتله إلا لئلا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه و لم يمنعه لكونه في نفسه معصوما كما قال في حديث حاطب ابن أبي بلتعة فإنه لما قال : [ ما فعلت ذلك كفرا و لا رغبة عن ديني و لا رضا بالكفر بعد الإسلام ] فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إنه قد صدقكم ] فقال عمر : دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال : [ إنه قد شهدا بدرا و ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ] فبين صلى الله عليه و سلم أنه باق على إيمانه و أنه صدر منه ما يغفر له به الذنوب فعلم أن دمه معصوم و هنا علل بمفسدة زالت

فعلم أن قتل مثل هذا القائل إذا أمنت هذه المفسدة جائز و كذلك لما أمنت هذه المفسدة أنزل الله تعالى قوله : { جاهد الكفار و المنافقين و اغلظ عليهم } [ التوبة : 73 ] بعد أن كان قد قال له : { و لا تطع الكافرين و المنافقين و دع أذاهم } [ الأحزاب : 48 ] قال زيد بن أسلم : قوله جاهد الكفار و المنافقين نسخت ما كان قبلها

و مما يشبه هذا أن عبد الله بن أبي لما قال : { لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل } [ المنافقون : 8 ] : و قال : { لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا } [ المنافقون : 7 ] أستأمر عمر في قتله فقال : إذن ترعد له أنوف كثيرة بالمدينة و قال : [ لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ] و القصة مشهورة و هي في الصحيحين و ستأتي إن شاء الله تعالى

فعلم أن من آذى النبي صلى الله عليه و سلم بمثل هذا الكلام جاز قتله كذلك مع القدرة و إنما ترك النبي صلى الله عليه و سلم قتله لما خيف في قتله من نفور الناس عن الإسلام لما كان ضعيفا

و من هذا الباب : أن النبي صلى الله عليه و سلم لما قال : [ من يعذرني في رجل بلغني أذاه في أهلي ] قال له سعد بن معاذ : أنا أعذرك إن كان من الأوس ضربت عنقه و القصة مشهورة فلما لم ينكر ذلك عليه دل على أن من آذى النبي صلى الله عليه و سلم و تنقصه يجوز ضرب عنقه و الفرق بين ابن أبي و غيره ممن تكلم في شأن عائشة أنه كان يقصد بالكلام فيها عيب رسول الله صلى الله عليه و سلم و الطعن عليه و إلحاق العار به و يتكلم بكلام ينتقصه به فلذلك قالوا نقتله بخلاف حسان و مسطح و حمنة فإنهم لم يقصدوا ذلك و لم يتكلموا بما يدل على ذلك و لهذا إنما استعذر النبي صلى الله عليه و سلم من ابن أبي دون غيره و لأجله خطب الناس حتى كاد الحيان يقتتلون