ففي قرنٍ كثرت فيه المغرياتُ، وفشت الضَّلالاتُ، وسيطر الناس حبُّ الشهوات، وصدَّق الكثيرُ منهم الخرافات، حتى تغلغل كثيرٌ من الباطل إلى كثير من بيوتات المؤمنين والمؤمنات، وعاش الناسُ ساهمين، لاهين، عابثين، وكأنهم مخلدون في هذه الحياة الدنيا، ناسين لقاء الله، معرضين عن ذكر الممات، مشتغلين بمطالب الجسد، مشغولين عن مطالب الروح، والقلب، والفكر، فشردوا كثيراً عن الجادة، مُنغمسين في أوحال المادة، متناسين الآخرة؛ التي هي خير وأبقى. كلُّ ذلك دعاني إلى أن أضعَ كُتيِّباً صغيراً عن الإنسان بين الأَمل والعمل والأجل، يُبصِّره بعظة الموت، ويكفيه، ويغنيه في هذا الموضوع عن المجلدات والمطوّلات؛ التي انصرف الناسُ عنها في عصر السرعة، يؤثرون الكتابَ الصَّغير على الكبير، والمختصر الوجيز على الواسع المبسوط، والواضح على المعقّد، شريطةَ البعد عن قصر مخلّ، أو طول مملّ.