المصدر
المكتبة الشاملة الذهبية
المؤلف
د. عبد المجيد البيانوني
عند تنزُّهي وسياحتي في رياضٍ مثمرة، وبساتينٍ مزهرة، في (إحياء علوم الدين) للإمام الغزالي رحمه الله تعالى، وقفتُ على حِكَم بليغة، ودُرَر مستنيرة، ومواعظ مستفيضة، ذكرها في مواضع متفرِّقةٍ من كتابه، (فما الدُّرُّ في انتظامه أزهى من دُرَر كلامِه، ولا السِّحر الحلال أوقع في النفوس مِنْ نثره ونظامِه)، فأحببتُ أنْ أجمع بعض ما وقفت عليه من فيض غَمامِه، عسى أنْ يُسقى بها متعطشٌ إلى بحر علمه وإنعامِه، فتنفعه في دينه وتذكِّره بربِّه، وتزيل الغشاوة عن بصره، وترفع الرَّان عن قلبه، فإنَّ الكلمةَ الطيِّبةَ كالشجرة الطيِّبة، ذات الأصل الثابت التي لا تزعزعها الأعاصير، ولا تعصف بها الرياح، وهي عالية مرتفعة فوق الشرِّ والباطل، وثمارها دائمة مستمرة، قال تعالى
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ. تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}.
فيا لها مِنْ كواكبٍ دريَّة، وجواهرٍ من المعاني عليَّة، ولباسٍ من التقوى سندسيَّة، تجعل الروحَ مِنْ جمالها مُشرقة بهيَّة، فالسعيد مَن انتفع بها ورجعتْ نفسُه إلى ربِّها راضيةً مرضيَّة ..